السبت، 11 مارس 2017

انتفاضة الشعب الكوردي في 12 اذار 2004 (2)



التعاطي السوري
بعد أن أحسَّ النظام السوري بأن هيبته التي بناها خلال 40 عام من حالة الطوارئ والأحكام العرفيَّة، منذ وصول حزب البعث للسلطة 8/3/1963 ولغاية 12/3/2004، قد أصيبت بنكسة كبيرة، خاصة عندما استهدف المتظاهرون مركز الأمن وحزب البعث وتماثيل ونُصُب حافظ الأسد، تعاطى مع المتظاهرين االكورد وفق مبدأ "كسر الرأس". وبدا ذلك واضحاً من خلال التعاطي الأمني الدموي الذي مورس بحقِّ المتظاهرين، وحملات الاعتقال العشوائي التي طالت الآلاف من نساء وأطفال وشباب ورجال ومسنين، (تمَّ الإفراج عن غالبيتهم بعفو رئاسي). حتى أنه تسرَّب معلومات، أشارت بأن (المزاج العام في السلطة آنئذ، كان باتجاه تكرار سيناريو "حماه" في قامشلو.
 وقيل أن هذا السيناريو تمَّ إبطاله، بضغط أمريكي). وقد آزر بعض مثقفي السلطة (عماد فوزي الشعيبي، حسن حاج علي...)، وآخرون ( علي تركي الربيعو) مسلك السلطة، بداعي الحفاظ على هيبة الدولة، حتى ولو كانت على أشلاء مواطنيها!.
في شهر أيار 2004، وعبر قناة الجزيرة القطريَّة، اعترف الرئيس السوري بشَّار الأسد بوجود الشعب الكوردي في سورية بالقول: "الأكراد جزء من النسيج الاجتماعي والحضاري السوري..." وأردف بما معناه: "لا توجد أيدي خارجيَّة في أحداث القامشلي... سنمنح الجنسيَّة للأكراد الذي جرِّدوا منها على خلفية إحصاء 1962". ولم تجد وعود إعادة الجنسيَّة للمجرَّدين منها على خلفية الإحصاء المذكور، طريقها للتطبيق والتفعيل لغاية اللحظة!.

التعاطي الكوردي
تتابع اشتراك المدن الكورديَّة في الانتفاضة، وحجم المشاركة الجماهيريَّة، أوحى وكأنها كانت معدَّة مسبقاً، ومنظَّمة. وحقيقة الأمر، أنها كانت عفويَّة، دون تنظيم، بدليل، تجاوز الشارع الكردي السوري حركته السياسيَّة، التي سارعت للإعلان عن إبراء ذمَّتها أمام السلطات، وذكر عدم مسؤوليتها عنها. ليس هذا وحسب، بل حاولت بعض الأحزاب والأطراف الكرديَّة السوريَّة اتهام حزب الاتحاد الديموقراطي، المقرَّب من حزب العمال الكردستاني
عراقيَّاً، ورغم أن جزء من أسباب انتفاضة الكرد السوريين في 12 آذار 2004، كان رفض القامشلي للإهانة والشتائم التي وجِّهت لقادة كوردستان العراق، إلا أن الإقليم الكوردي العراقي، تجنَّب تغطية الحدث في إعلامه، إلا بعد مضي ثلاثة أيام، من ثمّ صدرت بعض بيانات شاجبة، ذات نبرة نقديّة حادّة، تُحذِّر النظام السوري من خطورة تبعات المضي في التعاطي الدموي مع الأكراد السوريين. وبحسب بعض المصادر الكورديَّة، أن حكومة كوردستان العراق، قد حرَّكت فرقة من البشمركه، إن استمرّ النظام السوري في زيادة هجمتها الشرسة على المواطنين الكورد. وبحسب المصدر الكردي، كانت علاقات الحزبين الرئيسين في كوردستان العراق بالسلطات السوريَّة، على شفير أزمة حقيقيّة آنئذ. كما انطلقت المظاهرات الجماهيريّة في كوردستان العراق، المنددة بالنظام السوري، والمتضامنة مع الانتفاضة الكرديّة وضحاياها.
كما تضامن كورد باكور"تركيا"مع الانتفاضة الكورديَّة السوريَّة، وخرجت جموع المتظاهرين في المدن الكورديَّة التركيَّة، حتى وصلت لاسطنبول وأضنا وميرسين وأزمير والمدن التركيَّة. ولم تتخلَّف مدن كوردستان إيران أيضاً عن نصرة المنتفضين الكورد السوريين، والتنديد بالنظام السوري، والاشتباك مع قوة الأمن الإيراني. فضلاً عن تضامن الجاليَّة الكورديَّة في أوروبا وأمريكا معها. وطالب المتظاهرون الكورد في كل مكان، داخل وخارج سورية، السلطات السوريَّة بحلٍّ سلمي عاجل للقضيَّة الكورديَّة في سورية، بعيداً عن منطق القبضة الأمنيَّة، وسياسات الإنكار والتملُّص من الحل. وكان بثُّ فضائيَّة "روج" المقرَّبة من العمال الكردستاني، على حساب الانتفاضة، وتغطي مجرياتها لحظة بلحظة، وتستضيف كل قيادات الأحزاب الكرديّة السوريّة، دون استثناء، ما شكَّل إزعاجاً وإرباكاً كبيراً للسلطات السوريَّة.
انفوجرافيك خاص بموقع التاريخ الكوردي

انتقام السلطات السورية من الشعب الكوردي

لقد انتقمت سورية من كوردها على مرحلتين، الأولى اثناء انتفاضة 122 آذار، والثانيَّة بعدها. وما مظاهر تنشيف
المناطق الكورديَّة، وتحريمها من أيَّة مشاريع تنمويَّة اقتصاديَّة، والحصار الاقتصادي والخدمي عليها، وتغذية الانحراف الخلقي بين الشباب الكوردي، واستهداف هذه الشريحة، عبر الترويج للمخدرات، إلى درجة أن النظام، بات يستخدم حتى الجنس بين طلبة الجامعات، عبر دسّ "بنات المخابرات" بين الشباب الكوردي الجامعي، بغية التسرُّب بين الشباب الكوردي، ولمعرفة ما يجول ويجري بينهم. وهنا، تمارس الفتيات الجنس مع هؤلاء الشباب، بغية استدراجهم للفخاخ الأمنيَّة، بشكل مباشر أو بغيره. وذلك، بادّعائهنَ في البداية، أنهنَّ من أنصار الأكراد وحقوقهم. بالإضافة إلى حملات الاعتقال للنشطاء السياسيين والحقوقيين، وإصدار المراسيم (49)، والتقارير والتوجيهات الأمنيَّة المتتالية، وآخرها، منع تشغيل الكورد المجردين من الجنسيّة في المرافق والشركات الخاصَّة أيضاً، تحت طائلة الغرامة والعقوبة. كل ذلك، وصولاً لتفريغ المناطق الكورديّة من العنصر الكوردي، وضخّ العنصر العربي إليها، عبر تحفيز الهجرة الكورديَّة إلى المدن الداخليَّة، أو خارج البلاد، في مسعى إجبار الكورد المجرّدين من الجنسيّة للهرب من البلاد، وإحداث تغيير ديموغرافي في المناطق الكورديّة.وتنفيذ عمليات الاغتيال بحق الشباب الكورد المتقدمين للخدمة العسكرية الالزامية وهذه الممارسات العنصريَّة والاجرامية، وغيرها من المظاهر، تشير إلى أن انتقام السلطة السورية من الكورد، على خلفيّة انتفاضة 12 آذار 2004، متسمرّ، أمام أنظار ومسامع الحركة الكرديَّة السوريَّة.


ماذا بعد الأنتفاضة
أطاحت انتفاضة 12 آذار بثقافة الخوف التي سعى النظام زرعها على مدى أربعة عقود، وفتحت صفحة جديدة في مسار التجربة النضاليَّة الكرديَّة في سورية. بحيث غدت هذه الانتفاضة نقطة علاَّم مركزيَّة، تقاس بها هذه التجربة، على نحو: قبل انتفاضة 12 آذار، وبعد انتفاضة 12 آذار. كما أكدت هذه الانتفاضة، حجم التواصل والتلاحم والتناغم القومي للشعب الكورديّ في كل مكان. وأظهرت الانتفاضة هشاشة الحركة السياسيَّة الكورديَّة في سورية أمام ضغوط السلطة، لجهة عجزها عن استثمار تضحيات الانتفاضة (50 شهيد، عشرات الجرحى، آلاف المعتقلين، وبعض المفقودين، وحملات السلب والنهب التي اشترك فيها بعض العناصر بتغطية من السلطات، حيث نهبت في مدينة الحسكة وحدها حوالي 69 محل تجاري ومنزل كوردي...)، وتحويل معطيات الانتفاضة وآلام الناس إلى نتائج سياسيَّة، محليَّاً وإقليميَّاً ودوليَّاً، مثلما سعى اللبنانيون. بل عاضدت الأحزاب الكورديّة مساعي السلطة بشكل غير مباشر، وبذلت قصارى جهدها لتبرئة ذمَّتها من هذه الانتفاضة، علَّ السلطات السوريَّة تدخل في حوار ندِّي ومباشر معها، فخسرت الحركة الكورديَّة انتفاضة 12 آذار، وربحت السلطة في تفريغ الانتفاضة من شحنتها السياسيَّة. استفادت السلطة من هذه الانتفاضة لجهة معرفة نقاط الضعف والخلل في سياساتها الرامية لقمع وصهر الكورد السوريين، وصعَّدت من وتيرة سياساتها تلك، عبر تلافي نقاط الضعف. لكن الحركة الكورديَّة السوريَّة، لا زالت تتفرَّج على أكرادها وكيف يقمعون ويهمَّشون، وكيف أن المناطق الكورديَّة شمال شرق سورية، تستهدف اقتصاديَّاً، وكيف أن الكورديَّ هنا، بات في حيرةٍ من أمرهِ، كيف يؤمِّن رغيف الخبز لعياله، رغم أن مناطقه هي عصب الاقتصاد السوري (نفط، قمح، شعير، قطن، زيتون!). من المؤسف القول: إنه لم يبقَ من انتفاضة 12 آذار، إلا ذاكرة داميَّة، وجراح تزداد اتساعاً وتقيُّحاً، وعطباً سياسيَّاً كورديَّاً مزمناً. والمتبقِّي من هذه الانتفاضة، هو ذكراها التي اتخذته الأحزاب السياسيَّة الكورديَّة كفلكلور سياسي، ومناسبة أضافوها لمناسباتهم الغزيرة، التي يلجأون فيها إلى إصدار البيانات، وممارسة بعض الطقوس الاحتفاليَّة كإشعال الشموع، وزيارة مقابر الشهداء. حتى أن بعض التيارات الكورديَّة باتت تبخس تضحيات هذه الانتفاضة حقَّها في هذه الطقوس أيضاً!. ما تبقى من هذه الانتفاضة، هو صور أليمة، ومرارة شديدة تعتمل القلوب والنفوس والعقول، يستحضرها المثقف والكاتب والصحفي الكوردي هنا وهناك، أيضاً، كفلكلور ثقافي، لا مناص من الكتابة عنه. وقد يخلص به المطاف إلى نتيجة مفادها: إنه كان ينبغي على انتفاضة 12 آذار في 2004 أن تكون على الحركة السياسيَّة الكورديَّة السوريَّة، وليس على السلطات السوريَّة. خاصّة، حين يرى زعيماً كورديّاً سوريّاً، لا زال يسعى نفي صفة الانتفاضة من على أحداث 12 آذار، بحجَّة؛ "كيف لنا أن نصف مخطط استهدف الكورد، بالانتفاضة؟". وينسى الزعيم الجليل، أن الوصف الانتفاضي، هو تابع لردّة فعل الكورد على ذلك المخطط، وليس الوصف بحقّ المخطط نفسه!. حزب كورديٌّ عتيدٌ آخر، لم يتجرأ، على إطلاق صفة الانتفاضة على هذه الهبَّة الجماهيريَّة العارمة، إلا بعد مضي 4 أعوام من الحدث!. ليس هذا وحسب، بل كان ذلك في مؤتمره، وأخضع هذا الوصف، للاقتراع والتصويت!. لم يبقى من الانتفاضة، غير الكلام عن الانتفاضة، الذي نقوله ونعيده، ونكرره ونزيده، في كل عام. والمفارقة، أن الكثير الأحزاب الكورديّة، ممن تبرّؤا من الانتفاضة، في لحظتها، وحالوا اتهام آخرين بـ"ارتكابها"، هم الآن، يزعمون أنهم أصحابها الأوّلون، لا زيدٌ أو عمرو!!.

 وكانت هذه الانتفاضة الدافع المحفز للكورد للمشاركة في المظاهرات السورية السلمية التي طالبت بالحُرية والديمقراطية و التي انطلقت في 15 آذار 2011....

أعداد : Hassan Rame
Hassan
حسن رمى

This is a short biography of the post author. Maecenas nec odio et ante tincidunt tempus donec vitae sapien ut libero venenatis faucibus nullam quis ante maecenas nec odio et ante tincidunt tempus donec.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق